استيقظت من النوم على اسم مديري يتلألأ على شاشة جوالي:
بندر أرسلت معلومات اليوم الوطني لوزارة الإعلام؟
– ايه أبو فيصل (بصوت مشبع ببحة النوم)
– متأكد؟! بندر أنت عارف لو فاتنا تكريم اليوم الوطني السنه هذي أبو خالد اش بيسوي فينا؟
– عارف عارف، ارتاح و اتطمن، الحمد لله عدد الوظائف الجديدة و توطين المشتريات و التأثير على الناتج العام و نتائجنا كلها تأهلنا للمنافسة على وسام اليوم الوطني، دعواتك بس.
طار النوم طبعا فخرجت من غرفتي الى الصالة لأجد ولدي على البلايستايشن كالمعتاد، وكعادته أيضاً استهل كلامه بـ:
– بابا اشتري لي هللات رحالة السعودية الله يخليييييييك !
أخذت أردد في داخلي ” الله يسامحكم يا وزارة السياحة، ماختلفنا صممتوا لعبة بلايستايشن متعددة اللاعبين فيها كل مناطق ومعالم السعودية، بس لازم يعني تحطون الأثريات و الكنوز التاريخية السعودية في اللعبة بفلوس !!أشغلني هذا الولد”.
تجاهلت الطلب وواصلت طريقي الى مكتبتي، لكن لم أكد أصل حتى سمعت صوت زوجتي تنادي من الغرفة الأخرى:
– متى نكون جاهزين علشان المسرحية؟
– دقيقه ماني سامعك !
أجبت وأنا أعود مسرعاً الى ولدي اسأله بلغة الإشارة عن أي مسرحية تتحدث أمه!! ابتسم عبد الله بكل جشع وتحول الى مبتز عمره ثمان سنوات وهو يفرك اصبعيه إشارة الى النقود، لأشير اليه بمجموع يدي إشارة الى الصفعة. اقتنع ولدي بالسعر وأجاب هامساً: بابا مسرحية أبطال عبد العزيز اللي ماما قالت لك تحجز لنا فيها الأسبوع الماضي.
بعد دقائق شكرتني زوجتي على المفاجأة و الكرم في حجزي لمقاعد في الصفوف الأولى، و أجبتها:
– “طبعاً، ماعندي أغلي منكم”
قلتها وانا أسمع أنين بطاقة الائتمان يعاتبني على نسياني الذي تسبب في هذا الخسف، و كلانا يدعو لوزارة الثقافة بالهداية على عدم توفير مقاعد اقتصادية كافية.
رن هاتفي مرة أخرى (يالهذا الجوال الذي لا يهدأ)
– استاذ بندر معاك رشيد من وزارة التجارة، بمناسبة اليوم الوطني عندنا استطلاع عن أفضل منتج سعودي استخدمته خلال العام الماضي، المنتج الفائز راح يتم ……
أجبت على الاستطلاع وانتهت المكالمة و قررت إطفاء الجوال، لكن شتتتني تلك النبرة الرخيمة لصوت مورجان فريمان على شاشة التلفاز:
“عندما رآني سألني إن كان مكان كرسيه يعيقني عن أداء عملي على سطح السفينة فأجبته لا جلالتك كل شيء على ما يرام، أما صديقي فواتته الجرأة على أن يسأله كيف صار ملكاً، فأجابه أنه حارب لتوحيد بلاده، وأراه آثار الجروح والندبات، كان رجلاً ودوداً لطيف المعشر.”
كان هذا وصف أحد بحارة يو اس اس كوينسي للملك عبد العزيز رحمه الله في فلم أنتجته وزارة الخارجية عن اللقاء التاريخي بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت، و رغم أن الفلم وثائقي و بإنتاج حكومي، لكنه حاز على أربعة جوائز دولية.
للأسف لم أستطع إكمال الفلم لأن صراخ أطفالي جعلني أهرع الى فناء المنزل، لأكتشف أن صراخهم كان حماساً لعروض الدرونز و الليزر التي أقامتها وزارة الدفاع في سماء الرياض لتخليد ذكرى انتصار المملكة في حرب الخليج.
كان الطريق الى المسرحية مزدحما بسبب مسيرة شهداء الشرف التي تقيمها وزارة الداخلية وبالكاد وصلنا في الوقت المناسب. فوجئنا عند وصولنا انها ليست مسرحية تقليدية، بل عرض حي على منصة مفتوحة من كل الجهات استخدمت فيه أحدث تكنولوجيا المؤثرات البصرية والصوتية لتحكي القصة الملهمة لشاب فضل الموت على أن يجد بلاده ممزقة. قام بكل شيء، تارة كان محاربا، وتارة سياسيا، وتارة اقتصاديا، وتارة مصلحاً اجتماعياً. وعن عائلته التي حملت بعده أمانة رفاه شعبها واختارت أن تسخر نفسها لخدمة هذا الوطن رغم صعوبة الظروف ودناءة الجيران.
في طريق عودتنا الى المنزل استمتعنا ببرنامج راديو برعاية وزارة الصناعة، يحكي فيه أوائل موظفي سابك وأرامكو ذكرياتهم وقصصهم، منها الطريف ومنها المحزن، لكن مجملها يقول: الصروح التي ترونها اليوم لم تبن بسهولة.
وعندها رن منبه هاتفي، واستيقظت، وفتحت تويتر كعادتي، وانهالت علي خصومات المطاعم و المتاجر بمناسبة اليوم الوطني، تتخللها فقرات غنائية و فواصل شعرية و ابتكارات إعلانية.